الحكم على دو كوون (Do Kwon): الولايات المتحدة تطالب بسجنه 12 عاماً على خلفية انهيار شركة تيرا (Terra) الذي أطاح بـ 40 مليار دولار
يُطالب المدَّعون الفيدراليون بإنزال عقوبة السجن لمدة 12 عاماً بحقّ دو كوون (Do Kwon) المؤسس المشارك لشركة Terraform Labs، بتهمة تدبير عملية احتيالٍ أدّت إلى انهيار كارثي في عملتها المستقرة -عملة تيرا يو إس دي (TerraUSD-UST)- ما أسفرَ عن خسائرَ بلغت 40 مليار دولار في عام 2022.
ووفقاً لوكالة بلومبيرج، وصفت الحكومة جرائمَ كوون بأنها “هائلة النطاق” في ملفٍ تم تقديمه يوم الخميس لقاضي المحكمة الجزئية الأمريكية بول إنجلماير (Paul Engelmayer)، مشيرةً إلى تسبُّبِها بموجةٍ من الكوارث في السوق، ساهمت أخيراً في انهيار منصة FTX.
ومن المقرر صدورُ الحكم على كوون في 11 كانون الأول/ديسمبر الجاري، مع مطالباتٍ من فريقه القانوني بحكم مخففٍ لا يتجاوز خمس سنوات سجنٍ فقط.
وأقرَّ رائد الأعمال الكوري الجنوبي البالغ من العمر 34 عاماً -في آب/أغسطس- بتُهمتي التآمر والاحتيال الإلكتروني، وذلك وفق اتفاقٍ يكتفي بموجبه الادعاءُ العام بالتوصية بسجنه مدة 12 عاماً فقط، بينما وصل احتمال الحدّ الأقصى القانوني لسجنه إلى 25 عاماً نظراً لدوره في عملية الاحتيال الخاصة بالعملة المستقرة.

المدعون العامون يُسلطون الضوء على الأضرار الواسعة التي تعرضت لها السوق
أكّدت مذكرة الحكم الصادرة عن وزارة العدل أن التصريحات الاحتيالية التي أدلى بها دو كوون للعملاء أثارت سلسلة من الانهيارات في أسواق العملات الرقمية.
وأشارَ المدّعون تحديداً إلى دور هذا الاحتيال في انهيار منصة FTX التي كان يترأسها سام بانكمان-فريد (Sam Bankman-Fried) كدليلٍ على ضررٍ واسع يتجاوز الخسائر المباشرة لمُستثمري عملة تيرا لونا (Terra Luna-LUNA).
من جانبه، أقرَّ كوون خلال المحاكمة أنه -بين عامي 2018 و2022- “وافق عمداً على المشاركة في مخطط احتيالي على مُشتري العملات الرقمية” من شركة Terraform Labs، كما أقرّ بالإدلاء بتصريحاتٍ كاذبةٍ حول آليات استعادة ربط عملة تيرا يو إس دي (TerraUSD)، وإخفاء الدور السري لشركة Jump Trading في دعم العملة المستقرة خلال حدثِ فك الربط في أيار/مايو 2021، والذي يُعتبر مقدمةً للكارثة الأكبر.
ويحمل التوقيت أهميةً إضافية، حيث خفّفت إدارة ترامب إلى حدٍّ كبير من إجراءات إنفاذ قوانين الكريبتو التي طبقتها إدارة بايدن سابقاً. في هذا السياق، أصدر الرئيس دونالد ترامب مؤخراً عفواً عن مؤسس منصة بينانس تشانغبينغ تشاو (Changpeng Zhao) في 23 تشرين الأول/أكتوبر، بعد إدانته بمسؤوليته عن فشل برنامج مكافحة غسيل الأموال في أكبر منصة كريبتو في العالم. وقد دافعت الإدارة عن العفو، مُدّعيةً أنه خضع “لأقصى درجات الجدية”.
جهة الدفاع تَعتدّ بالاحتجاز في مونتينيغرو (Montenegro) والمحاكمة المزدوجة
يُجادل محامو كوون بأن قضاءه ما يقارب ثلاث سنواتٍ فيما يصفونه بـ “ظروف قاسيةٍ في مونتينيغرو” يجب أن يُؤخذ بقوةٍ في تقدير الحكم. ويُؤكد فريقه القانوني أن تمديدَ فترة السجن “أكثرُ ممّا يلزم” لتحقيق العدالة، لا سيّما بوجود العقوبة الكبيرة التي تلقاها مُسبقاً خلال فترة احتجازه الطويلة في الخارج.
ويُوضح ملف الدفاع موافقة كوون على التنازل عن أكثر من 19 مليون دولار وممتلكاتٍ متعددة بموجب صفقة الإقرار بالذنب التي تمَّ التوصل إليها مع الادعاء العام في المنطقة الجنوبية من نيويورك، وأشارَ مُحاموه أيضاً إلى أنه يواجه محاكمة منفصلة في كوريا الجنوبية لنفس التهم، حيث يُطالب المدعون العامون هناك بالحكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً، وهو ما يخلق عواقبَ إضافية تستحق النظر إلى الحكم من الجانب الأمريكي.
ومن الجدير بالذكر أن الادعاء العام الأمريكي لا يسعى إلى مطالبة كوون بتعويض المستثمرين الذين خسروا 40 مليار دولار، نظراً إلى التعقيدات الكبيرة التي تواجه تحديد الخسائر الفردية في الأسواق العالمية.
وأشارت السلطات الأمريكية إلى أنها ستدعم كوون في قضاء النصف الثاني من عقوبته داخل كوريا الجنوبية في حال امتثاله لبنود الإقرار بالذنب واستيفائه لشروط برامج التحويل الدولي.
تباين الأحكام يثير تساؤلات حول جدواها في الردع
أثارت الأساليب المتباينة في التعامل مع قضايا الاحتيال الكبرى في مجال الكريبتو جدلاً حول توافق العقوبة مع الجرم. فقد حُكم على سام بانكمان-فريد بالسجن 25 عاماً، بالإضافة إلى أمر تعويضٍ بقيمة 11 مليار دولار بعد إدانته بجميع التُّهم المُوجّهة إليه، على الرغم من أن التقارير الأخيرة تشير إلى تخفيض قدره أربع سنواتٍ من المدة الكلية للعقوبة.
في المقابل، ساعد إقرار كوون بالذنب على تخفيض مدة العقوبة بشكلٍ كبير على الرغم من الخسائر الأكبر والبالغة 40 مليار دولار لشركة تيرا مقارنةً باحتيال منصة FTX البالغ 8 مليار دولار.
ويشير خبراءُ قانونيون إلى أن القوانين الفيدرالية لإصدار الأحكام في حالات الاحتيال على هذا النطاق عادةً ما تشير إلى نطاقاتٍ استشارية تقترب من السجن مدى الحياة قبل النظر في الحد الأقصى القانوني، ما يجعل قبول طلب كوون بالسجن لمدة خمس سنواتٍ بعيدَ المنال.
ويُعرَف القاضي بول إنجلماير، المسؤول عن القضية، بصرامته في التعامل مع قضايا الاحتيال المالي، ويتوقع معظم المراقبين أحكاماً بالسجن تتراوح بين 15 و20 عاماً، نظراً لتأثير عملية الاحتيال الكبير على الضحايا. ومن المتوقع أن تُحدّد جلسة الاستماع في 11 كانون الأول/ديسمبر ما إذا كان التعاون عبر الإقرار بالذنب سيُخفف العقوبة بشكلٍ كبير مقارنةً بالإدانات القضائية، مثلما حدَث في قضية بانكمان-فريد.
وأُلقي القبض على كوون في مونتينيغرو (الجبل الأسود) في آذار/مارس 2023 أثناء سفره بجواز سفر مزوَّر، ما أدى إلى معركةٍ طويلةٍ حول تسليمه بين السلطات الأمريكية والكورية الجنوبية، حيث أمضى كوون ما يقرب من عامين مُحتجَزاً في دولة مونتينيغرو قبل ترحيله إلى أمريكا في كانون الثاني/يناير، لتتحوّل قضيتُه إلى واحدة من أكثر المعارك القانونية إثارةً للاهتمام في تاريخ قطاع الكريبتو.